الإصحاح الثاني
الإصحاح الأول نجد فيه صلة الله بالكون عموماً. أما في الإصحاح الثاني فنجد فيه صلة الله المحب بالإنسان بصفة خاصة. هو إصحاح الروابط الحلوة:
1. نشأة الإنسان وعلاقته بالله.
2. راحة الله هي في راحة الإنسان.
3. علاقة الإنسان بالأرض (الله ينبت زرعاً في جنة لأجل الأنسان).
4. الإنسان يعمل بلذة وفرح في الجنة. والله شريكاً للإنسان في العمل فنجد أن الله هو الذي غرس جنة ليحيا فيها آدم، وآدم يعمل لكي يحفظ هذه الجنة.
5. علاقة الإنسان بالحيوان (آدم له سلطان علي كل شئ) : إعطاء الأسماء.
6. علاقة الزواج (الله يؤسس سر الزيجة) هنا نجد علاقة المحبة التي تربط الإنسان بالإنسان.
7. وراء كل هذا نجد الله المحب الذي خلق كل هذه الخليقة من أجل الإنسان.
8. ولكن نجد هناك وصية لآدم حتي يكون له الحق ان يستمتع بكل هذا، ففي مقابل الحرية هناك وصية.
أية1: "فاكملت السماوات والارض وكل جندها "
أكملت: المعني أن بعد اليوم السادس لم يعد الله يخلق أجناساً جديدة، بل هو يخلق من نفس الأجناس التي سبق فخلقها وهو يحافظ علي خليقته وهذا معني أبي يعمل حتي الآن وأنا أعمل (يو 17:5) فهو يحفظ الخليقة حتي لا تهلك والكواكب في مداراتها.
جندها : الجند في العبراية صبا وجمعها صباؤوت ومعناها جمهور أو جيش عرمرم والله يسمَي لذلك رب الصباؤوت أي رب الجنود. والجنود تطلق علي الملائكة وعلي شعب الله الذي علي الأرض وعلي أفلاك السماء وكواكبها (2 أي 18:18 + أش 12:45 + مز 6:33) فالأولي تشير لجيش الملائكة والثانية تشير لأجرام السماء وقوات الأرض والثالثة تشير لكل المخلوقات. ويكون المقصود من الآية أن الله خلق كل شئ حسب جنسه ونظامه وترتيبه. السموات غير المنظورة بملائكتها والسموات المنظورة بنجومها والأرض وما عليها بكل زينتها. ولكن لماذا التسمية جنود؟! فالكواكب لنظامها البديع هي كجيش منظم وهي كثيرة جداً مثل الجيش لكن كل كوكب يعرف مكانه وهو تحت رياسة تضبطه وتضبط تحركاته. فالله ضابط الكل والكنيسة سميت أنها مرهبة كجيش بألوية (أش 4:6 ).
الأيات 2،3
" 2 وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل 3 وبارك الله اليوم السابع وقدسه لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا "
أكمل الله خليقته في اليوم السادس ورأي ذلك أنه حسن جداً والتطابق عجيب ففي اليوم السادس بل في الساعة السادسة أكمل الله فداء البشرية قائلا علي الصليب "قد أكمل" فبالصليب أعيدت خلقتنا من جديد وبالقيامة أخذنا الحياة. ومعني أن الله يستريح في اليوم السابع أي هو يفرح ويسر بالإنسان موضع حبه وحينما سقط الإنسان وفسدت طبيعته جدده الله روحياً وفتح له باب السماء، في خلال اليوم السابع (الذي بدأ بعد خلقة آدم وينتهي بمجئ المسيح الثاني)، ففي خلال اليوم السابع كان الفداء الذي به أنهي الله أعماله كلها للإنسان وإستراح الله لأنه قدم للإنسان طريق السماء. وراحة الإنسان الحقيقية أنه يكتشف أنه ليس تراباً فقط فيكون كل إهتمامه للعالم، بل هو خليقة روحية لا يستريح سوي في الله ومع الله، بل هو يقضي فترة خاطفة علي الأرض ويكمل بعد ذلك حياته الأبدية في السماء في حضن الله. وحتي يطبع الله هذه المفاهيم في الإنسان نري الله يطلب من الإنسان أن لا يعمل يوم السبت بل يخصصه لله وللعبادة. فالإنسان كجسد لابد ان يعمل وهذا هو ما طلبه الله من آدم " لكن الإنسان كروح لن يرتاح وتكون له راحة إلا في الله.
فإستراح:
في العبرية لا تعني الكف عن العمل بل الراحة والإستقرار والرضي لأن الله لا يكل ولا يعيا. وراجع مز 31:104 + صف 17:3 لتري ان الله يفرح ويسر بأعماله. وما يتعب الله خطايانا أش 24:43. والإنسان كان سيظل في راحة لو لم يخطئ. ولكن الخطية والموت الذي إستتبعها كانا شيئاً عابراً وبعده ستعود الراحة. لذلك يعيش الإنسان مدة حياته علي الأرض يعمل ويشقي ويتعب (رمزياً مدة عمر الإنسان 6 أيام) وبعد الستة الأيام يذهب الإنسان للفردوس حتي يرتاح. وصارت راحة الله في إتحادنا بالمسيح القائم، وراحة الإنسان في المسيح القائم، لذلك إستبدلت الكنيسة يوم السبت بيوم الأحد يوم القيامة. وصار هذا اليوم هو راحة للجسد من التعب واهتمامات العالم لترتاح الروح في علاقتها بالله. فراحة الله= راحة الذين يستريحون في الله.
أية 4:
" 4 هذه مبادئ السماوات والارض حين خلقت يوم عمل الرب الاله الارض والسماوات "
هذه مبادئ:
بالعبرية جاءت الكلمة توليدوت وترجمت بالإنجليزية Generations وبالعربية مبادئ فعمليات الخلق الجديدة تعتبر إنتاجاً للأجناس وتشبه بعمليات الولادة.
الرب الإله:
لأن الإصحاح الأول كان يتكلم عن علاقة الله بالعالم وأنه الخالق الجبار إستخدم لفظ إلوهيم= الإله بمعني صاحب القوة أو الكلي القدرة والقوة. ولكن في هذا الإصحاح الذي يكلمنا عن الله المحب الذي هو كل شئ للإنسان وصنع كل شئ لأجل الإنسان الذي يحبه فنجد هنا الكتاب يحدثنا عن الله بإسم يهوة إلوهيم أي الرب الإله وهذه أول مرة يستخدم الكتاب اللفظ يهوة. وإسم يهوة من الفعل العبري "هوا" أو "هيا" بمعني كان، إذا يهوه معناها الكائن. والله عرَف موسي المعني بقوله " اهية الذي أهية" : أكون الذي أكون والمعني أن الله هو الواجب الوجود بذاته ولا يعتمد علي أحد في وجوده هو أزلي وأبدي، هو الذي كان والكائن الأن وإلي الأبد. ولماذا إستخدم الكتاب هذا الأسم في هذا الأصحاح؟ لأن الله يعلن للإنسان الذي يحبه أنه هوله كل شئ، هو يعلن ذاته للمؤمنين به بالنعمة والمحبة وهو الذي فيه كل إحتياجات البشر.
يهوة: Iam : أنا أكون… أكون كل شئ لأحبائي لذلك نري أسم الرب يأتي هنا في إصحاح حب الله لآدم. لفظ الله تشير لسيادة الله علي كل الخليفة ولكن لفظ يهوة (الرب) تشير لعلاقة الله بخاصته أي الإنسان الذي أحبه وخلق كل شئ لأجله.
"هو حياتنا كلنا خلاصنا كلنا رجاؤنا كلنا وقيامتنا كلنا" (أوشية الإنجيل).
واليهود لم يكونوا يستعملون إسم يهوة لخوفهم من الأسم فإستعملوا بدلا منه لفظ أدوناي أي السيد أو الرب وبالإنجليزية The Lord وباليونانية كيريوس هذا ونلاحظ أن المسيح بعد أن أنهي خدمته الجهارية علي الأرض صلب يوم الجمعة وقضي يوم السبت في القبر.
ويري الأباء أن وصية حفظ السبت والتي تعني في العبرية "الراحة" إنما هي رمز للثبوت في المسيح بكونه راحة الأب، فيه يجد لذته من جهتنا، وراحتنا نحن إذ فيه ندخل إلي حضن الأب. وكأن السيد المسيح نفسه هو سبتنا الحقيقي. هذا هو سر إهتمام الله بحفظ وصية السبت وجعلها خطأ رئيسياً في خطة خلاص شعبه، من يكسرها يكون قد نقض العهد الإلهي وحرم نفسه من عضويته في جسد المسيح أي الكنيسة.
الرب الأله
نلاحظ في الإصحاح الأول قول الكتاب في البدء خلق الله…
وفي الإصحاح الثاني تتكرر كلمة الرب الإله.
فالله بمعني سيد، هو سيد كل الخليفة وموجدها من العدم وهو يسود علي الكل، علي كل ما خلقه.
وفي الإصحاح الثاني، إصحاح صداقة الله بالإنسان، الذي فيه لذته "لذاتي مع بني آدم (أم 31:8)" يقدم الله نفسه بإسم الرب الإله، فهو إله آدم أي خالقه وسيده، ولكنه أيضاً هو ربه. فما معني كلمة رب هذه؟ هي في أصلها يهوة (خر 15:3) ولكن اليهود خوفاً من إسم يهوة، صاروا لا يستعملونه، بل إستخدموا بدلاً منه كلمة الرب، وصاروا يستبدلون كل كلمة يهوة بكلمة الرب في الكتاب المقدس بدافع الخوف من الله ومن إسمه يهوة. (كما لا يذكر غالبية المصريين أسماء زوجاتهم ويقولون "الجماعة").
فما معني كلمة يهوة؟ Iam أنا أكون… فهي من ناحية تعني أن الله هو الكائن بذاته ولم يوجده أحد. كان وكائن وسيكون للأبد. ومن ناحية أخري فهو كل شئ لنا، لذلك يصلح أن يوضع مكان النقاط في أنا أكون… أي شئ، كما نقول في أوشية الإنجيل "أنت حياتنا، خلاصنا، رجاءنا… كلنا" ونلاحظ في الكتاب أن كلمة الله يستخدمها الكتاب غالباً في حديثه عن علاقة الله بالعالم ككل، أما كلمة الرب فتستخدم مع شعب الله وخاصته.
أمثلة: قارن تك 7:16 فوجد (هاجر) ملاك الرب مع تك 17:21 ونادي ملاك الله هاجر من السماء، فهو ملاك الرب حين أمرها أن تعود لإبراهيم، وإبراهيم هو شعب الله، وهو ملاك الله حين أمرها أن لا ترجع. وقارن تك 13:6 وقال الله لنوح "نهاية كل بشر"... هنا الله سيد الخليقة الذي يأمر بهلاكها. مع تك 1:7 وقال الرب لنوح أدخل… هنا نوح هو خاصة الرب والذي يحميه الرب من الهلاك، هو للرب والرب له.
أية5: كل شجر البرية لم يكن بعد في الارض وكل عشب البرية لم ينبت بعد لان الرب الاله لم يكن قد امطر على الارض ولا كان انسان ليعمل الارض
هي تكرار لليوم الثالث وهي لا تعني أن الله بدأ خلق النبات في هذا الوقت لأن الآن كانت الأرض قد إكتملت. وهذه الأية ذكرت هنا لتشير أن الله خلق النبات. لأجل آدم حبيبه ليكون له طعاماً. وهو خلق النبات من أرض كانت خربة وخالية. هذه الأية مراجعة لليوم الثالث تتمشي مع فكرة الأصحاح الثاني أن الله أعد كل شئ للإنسان.
أية6:
"6 ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقي كل وجه الارض "
هذه الأية تشرح كيفية تكوين المطر فهو عطية الله للإنسان أيضا. والمطر أصله ماء قد تبخر من الأرض فتكون الضباب (السحاب) وتكاثف في طبقات الجو العليا حتي يمطر راجع أي 27:36.
أية7:
" 7 وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار ادم نفسا حية "
أدم
جسده من تراب الأرض وكلمة آدم تعني أحمر وأصل الكلمة "أدمية" أي تراب أحمر. ولكنه ليس تراب فقط بل
نفخ الله في أنفه نسمة حياة
هذه هي الروح فآدم من تراب ليعرف حقيقة ضعفه بدون نعمة الله، ومن نسمة الله ليعرف قيمته أمام الله، فيعطي لروحه الغلبة علي جسده وشهواته. وكلمة نفخ أي أودع الله في آدم خاصية الحياة فنسمة الحياة هذه هي الروح أي 8:32.
تأمل: في آية 5 نري أن آدم كان لابد ان يعمل حتي يكون هناك ثمر. ولابد أيضا من بذور وهذه قد خلقها الله منذ اليوم الثالث ولابد من مطر يسقطه الله من السماء. وآدم هو من تراب الأرض فنجد آدم يشترك مع الله في العمل والله يشترك مع آدم في العمل حتي يكون هناك ثمر. وروحياً وبالرجوع لمثل السيد المسيح "الزارع والزرع" مت 2:13-23 يكون المقصود بالأرض في المثل هو الإنسان (آدم من تراب). والبذرة هي كلمة الله (البذور خلقت في اليوم الثالث والمسيح قام في اليوم الثالث) والمطر هو الروح القدس الذي يعطيه الله من السماء للإنسان. ولكن لنلاحظ أهمية عمل الإنسان بجانب نعمة الله وهذا ما تشير له كنيستنا بتعبير الجهاد والنعمة.
أية8:
" 8 وغرس الرب الاله جنة في عدن شرقا ووضع هناك ادم الذي جبله "
هنا نري محبة الله وأبوته الفائقة ورعايته ومحبته للإنسان فهو يغرس جنة ليعيش فيها الإنسان. وهي شرقاً لأن موسي الآن يكتب في سيناء والجنة كانت عند نهر الفرات.
وكلمة عدن تعني بهجة أو نعيم. هكذا خلق الله آدم ليحيا في فرح. وكل مسيحي الآن ينظر للشرق أي ينتظر المسيح شمس البر في مجيئه الثاني بفرح ويعيش علي هذا الرجاء أن ينتقل من عالم الحزن والشقاء لعالم الفرح الأبدي.
أية 9:
" 9 وانبت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للاكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر "
شهية للنظر وجيدة للأكل:
والمسيح حلقه حلاوة وكله مشتهيات نش 16:5. فهل ننظر له لنشبع أم ننظر للعالم نشبع به.
وشجرة الحيوة في وسط الجنة:
تشير للمسيح الذي كل من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية "يو15:3" وراجع أم 18:3 فالحكمة هي شجرة حياة لممسكيها والمسيح هو أقنوم الحكمة (اللوغوس) وراجع رؤ 7:2 +2:22 + يو54:6. ولا نجد في أورشليم السماوية غير شجرة حياة ولا نسمع أنه في السماء توجد شجرة معرفة خير وشر فلا يوجد هناك شر بل حياة أبدية
يتتبع